اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 364
فما يمكن للإنسان أن يصل إليه بنفسه لا يطالب الأنبياء ببيانه، ومطالبتهم به جهل بوظيفتهم، وإهمال للمواهب والقوى التى وهبه الله إياها ليصل بها إلى ذلك، وكذلك لا يطالبون بما يستحيل على البشر الوصول إليه، كقول بعض بنى إسرائيل لموسى: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: 55]، وأما ما كان إدراكه ممكنا وكسبه بالحس والعقل متعذرا، وتحديده متعسرا فهو الذى نحتاج فيه إلى هاد مخبر عن الله تعالى لنأخذ عنه بالإيمان والتسليم، ولذلك قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عقل الأمة.
لو كان من وظيفة النبى أن يبين العلوم الطبيعية والفلكية لكان يجب أن تعطل مواهب الحس والعقل، وينزع الاستقلال من الإنسان، ويلزم بأن يتلقى كل فرد معلوماته بالتسليم، ولوجب أن يكون عدد الرسل فى كل أمة كافيا لتعليم أفرادها فى كل زمن كل ما يحتاجون إليه من أمور معاشهم ومعادهم، وإن شئت فقل: لوجب ألا يكون الإنسان هذا النوع الذى نعرفه! نعم، إن الأنبياء صلوات الله عليهم ينبهون الناس بالإجمال إلى استعمال حواسهم وعقولهم فى كل ما يزيد منافعهم ومعارفهم التى ترتقى بها نفوسهم، ولكن مع وصلها بالتنبيه على ما يقوى الإيمان ويزيد فى العبرة. اه.
[موقف القرآن من العلوم الكونية]
ونستطيع بعد ذلك أن نلخص موقف القرآن من العلوم الكونية العصرية وغير العصرية مما سبقها أو مما سيلحقها، أو موقف هذه العلوم من القرآن الكريم فى هذه النقاط:
1 - ليست مهمة القرآن شرح بحوث هذه العلوم تفصيليا، وإنما ترك ذلك للعقل الإنسانى يكشف فى كل طور من أطوار رقيه وكماله جزءا منه يتناسب مع مقدرته وما أتيح له من وسائل البحث والإدراك السليم.
2 - إنما عرض القرآن لما عرض له من هذه البحوث تنبيها لما فيها من دقة الصنع وجمال الإبداع، ليكون ذلك حافزا إلى معرفة الله وصدق الإيمان به، كما يكون حافزا إلى دوام البحث والنظر كذلك.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 364